يحذر بعض المحللين من خطر اختفاء الوجود السياسي لحركة فتح والحركة الوطنية عامة إذا ما استمرت (إسرائيل) في إحراج السلطة الفلسطينية من خلال استئنافها لعمليات الاغتيال في الضفة الغربية أو من خلال تكرار عمليات الاجتياح للمدن والقرى الفلسطينية في الضفة، وقد أكد سفير فلسطيني يكتب في صحيفة "الحياة الجديدة" بأن الفلسطينيين الآن أمام خيارين، فإما أن تكون لهم سلطة فلسطينية قوية ومحترمة ومصانة وذات مناطق آمنة، وإما أن تتحمل أمريكا والعرب ودولة الاحتلال مسؤولية العودة الجماعية للفلسطينيين إلى صيغة الحركة الوطنية المقاتلة، السرية والعلنية، والمقيمة والمهاجرة والمنظمة والارتجالية.
لا شك أن تلك فلسفة كلامية للابتعاد عن الحل الطبيعي الذي لا بد للسلطة الفلسطينية أن تقوم به وخاصة بعد إقدام (إسرائيل) على إعدام الشهيد إياد شلباية في غرفة نومه وبدم بارد لتنسف كل الأوهام التي نسجتها لجر السلطة إلى المفاوضات العلنية مرة أخرى، فضلاً عن الفشل الذريع الذي واكب المفاوضات بين منظمة التحرير وبين دولة الاحتلال (إسرائيل) منذ توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة.
إذن ليس المطلوب من السلطة تخويف أو تحميل أمريكا والعرب والاحتلال مسؤولية عودة الشعب إلى المقاومة المسلحة الشاملة، وكذلك فإن الحركة الوطنية ما زالت موجودة على الساحة الفلسطينية ويمكن لها أن تستعيد أمجادها بالأساليب التي قامت عليها، كما أن المقاومة ليست صيغة خاصة بالحركة الوطنية فحسب بل هي نهج لكل الفصائل المقاومة سواء كانت إسلامية أو وطنية.
الحركة الوطنية تتعرض لخطر الاختفاء وفي ذلك خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني ؛ليس بسبب احتمال تذرع (إسرائيل) بعدم وجود شريك في عملية التسوية كما يحلو للبعض تصويره بل بسبب خروج الحركة الوطنية من معادلة الصراع الفعلي مع الاحتلال الصهيوني من خلال عملية سلام لا سلام فيها لنا ولا مقاومة للاحتلال، وإن استخدمت مسميات خادعة كهجوم السلام والاشتباكات التفاوضية وربما نسمع بـ" غزوة شرم الشيخ"، فالحاصل أن الحركة الوطنية والمتمثلة بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية تخلت عن جناحها العسكري محاولة التحليق بجناح سياسي فقط وفي فضاء عملية التسوية الذي تضاءل إلى الحد الذي لا يعطي فرصة للجانب الفلسطيني أن يقرر او يفكر او حتى يناور، فدولة الاحتلال هي التي تتحكم في سير المفاوضات التي هي في واقع الأمر املاءات تفرض على الجانب الفلسطيني إما بالترغيب وإما بالترهيب، منفردة أو بضغوط أمريكية وأوروبية وعربية وهنا مكمن الخطر على الحركة الوطنية الفلسطينية، أي بتخليها طوعا عن جناحها العسكري وكرها عن جناحها السياسي فلا هي تقاوم ولا هي تفاوض.
أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فقد يكون من المستحيل الآن مطالبتها بحل نفسها وإعادة الأمور إلى نصابها والى الشعب ليقاوم الاحتلال بدون أي التزامات دولية وليتحمل الاحتلال مسؤولية احتلاله للأراضي الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية، وكذلك فإنه من غير الممكن مطالبة السلطة الفلسطينية إعلان المقاومة المسلحة على العدو الصهيوني لأنها ألزمت نفسها كما منظمة التحرير والدول العربية باتفاقات ومبادرات سلام يكون من الصعوبة بمكان العودة إلى العمل العسكري سواء بانتهاجه أو بتشجيعه أو حتى بالسكوت عنه في أراضي السلطة الفلسطينية وعملا بالمثل القائل " إن أردت أن تطاع فاطلب المستطاع " فإننا نطالب السلطة الفلسطينية بالحد الادني وهو وقف المفاوضات في ظل الشروط التي تفرضها والجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال، كما نطالبها ونطالب جميع الفصائل الفلسطينية كافة بالعمل على تنشيط جهود المصالحة الداخلية حيث لا مفر من الوحدة الوطنية إن عاجلاً أم آجلاً.